أخانا الفاضل وأستاذنا الكريم، أبا قصي
أولاً: بارك الله لكم مسعاكم، وأثابكم على هذا الجهد الكبير كل خير، وزادكم بسطة في علوم العربية وغيرها مما ينفع الله به الإسلام والمسلمين...
أما عن تعليقي، فقد عنَّ لي بعد أن اطلعت على ما أتحفتنا به في هذا الجزء من الأخطاء، أن أضرب معكم –على قلة علمي وقصر باعي- بسهم، والآراء يكمل بعضها بعضًا.
- أنت تعلم أن اللغة كائن كبقية الكائنات، وقد أصابها على مر العصور بعض التطور الدلالي الذي لحق ببعض كلماتها جراء استخدامها الذي اكتسبته عُرفا في عصر ما، وقد رأينا من ألفاظ المولدين ما رأينا، وراق لنا كثيرًا بعضُ التراكيب المعنوية التي استخدمها كثير من شعراء العصر الحديث ولم ينكرها عليهم أحد رغم ما به من جدة، كأبي القاسم الشابي ومحمود حسن إسماعيل وشهيد الإسلام سيد قطب وغيرهم رحمهم الله جميعًا. وهذا باب فسيح من أبواب العربية لستَ في حاجة إلى التبصير به؛ فأنت وأمثالك أعلم مني به، ولكن الشيء بالشيء يذكر؛ إذ جرني إلى هذا نيتي في الحديث عن كلمة "طبعًا"، وباختصار: ألا يجوز -يا أستاذنا- أن نعتمدها من باب فسيح وسع غيرها من الاستخدامات؟ باب الحذف والتقدير؛ كأن من يردّ بها يقصد أن يقول: طُبعت على ذلك طبعًا، أو: أنا مطبوع على ذلك طبعًا. وكذلك "بالطبع"، من نسأله أتحب العربية؟ فيقول "بالطبع"، كأنه قال: أحبها بالطبع. أي "بالفطرة".
ثانيًا: يؤلمني ويؤلم غيري الإساءة إلى المجمع المصري؛ فالمجمع المصري جمع –فيما مضى- رموزا وأعلاما لا يختلف عليهم أحد، كانوا على علم جمّ بالعربية وأسرارها ومنحهم الله أدوات ومعايير لغوية تؤهلهم للقياس واعتماد التعبيرات الجديدة، من أمثال: أ.د. عباس حسن، الذي وضع بين يدينا منجزًا لغويًا يقصر عن القيام بمثله الجماعة من علماء هذه الأيام، والشيخ محيي الدين عبد الحميد، ومِن غير اللائق بكم أن نذكركم بجهوده رحمه الله، وأ. علي الجارم، وعلى الرغم من بساطة وسهولة ما تركه لنا في البلاغة والنحو إلا أن الله منحه القبول والفهم من قبل أبناء العربية وهذا يكفي، كما يشفع له عند العربية وأهلها المشاركة في إعداد المعجم البسيط، وهو –رغم ما أخذ عليه من قبل البعض- إلا أنه يعد أفضل المعاجم الحديثة وأكثرها انتشارًا واعتمادًا من قبل الدارسين، و أ.د. شوقي ضيف، الذي لم يتوفر على فرع بعينه من فروع العربية وعلى الرغم من ذلك فقد توسع وأجاد، وغير هؤلاء ممن لا يسمح المجال لذكرهم...
والمجمع قد وقف -في مرحلة حرجة- حلقةَ وصل بين متناقضين: بين العربية الأصيلة التي تسكن بطون المعاجم وأمهات الكتب من جهة، وتيار التجديد الجارف الذي أخذ في طريقه المصري والشامي والمغربي والأندلسي وكاد أن ينسيهم لغتهم، وفي ظل الحروب الضارية التي استهدفت القضاء على هوية العربية، وإهمال العرب وضعف عزيمتهم العلمية، وعزوفهم عن مناهلها الصافية ورغبتهم عن العيش مع النابغة وعنترة والمتنبي، في ظل هذا وغيره مما تناوله الكثيرون وقف المجمع المصري يطبب مرضى العربية بأناة ورفق، دون إيغال في القديم منفر، وبلا تفريط في الأصيل نهلك معه... ولا أود الإطالة، فإنما الغرض أن نحسن الظن بعلمائنا ونحد من قذفهم بالتهم التي قد تنال من قاذفها، فضلا عن خلق الشقة والفرقة بين كثير من محبي هؤلاء الجهابذة وبين من يسيء إليهم، ولا ننسى أن لحوم العلماء حرام...
والتعبير: نحن كمسلمين. رغم وجود الأصل الذي يغني عنه إلا أن أعضاء المجمع قد اعتمدوه ولهم في ذلك رأيهم، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وكل منا يخطئ ويصيب، وأنا لا أرى أن هذا الاستخدام قاصمة ظهر العربية؛ فمن يطالع الكتابات اليوم يجد من الأخطاء ما يحتاج إلى السنين الطوال حتى تبرأ منه بنت عدنان.
ومما يسترعي الانتباه في كتابات أيامنا هذي، وجدير بالمواجهة العاجلة، آفة استخدام حروف الجر؛ فقلَّ من يستخدمها موافقا اللغة الصحيحة، فانظر معي إلى حرف الجر "الباء" الذي أصبح لازمة لدى كل كاتب يضعها مع كل فعل؛ نحو: قال بأن، ذكر بأن، أكد بأن، أوضح بأن، أشار بأن، شارك بالندوة، ساهم بالخطة، دعا بأن، رغب ب، اشتبه ب، استاء ب... وغيرها؛ ولا يقتصر الأمر على التخبط في استخدام "الباء" فقط، فهناك خلط كبير بين مواضع حروف الجر مثل: خارج عن القانون، مرّ في، استند على، افتقد إلى...، وغير ذلك الكثير الذي قد يأذن الله لنا بمعالجة بعضه معكم في هذه الحلقات.
وهناك أيضا ما لا يمكن السكوت عنه من الأخطاء النحوية والصرفية التي عجت بها الجرائد وغيرها من المطبوعات، والتي ندعو الله أن يعيننا على توضيحها لاحقًا.
نسأل الله أن يجعل مداخلتنا خالصة لوجهه الكريم، وألا نكون قد أسأنا الخطاب مع أساتذتنا الكرام، وأن يجمع بيننا في كل وقت وحين على طاعته وخدمة لغته... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.