سألَ سائلٌ في بعضِ المنتدياتِ عن قولِه تعالى : (( فأووا إلى الكهفِ )) ؛ كيفَ تقرؤها إذا جردتَّها من الفاءِ ؟
فأجبتُ :
( أووا ) أصلُها ( أوَى ) فعلٌ لفيفٌ مقرونٌ ، مضارعُه ( يأوِي ) ؛ فإذا أردتَّ أن تشتقَّ منه الأمرَ حذفتَ حرفَ المضارعةِ ؛ فيصبح ( أْوي ) ساكنَ الحرفِ الأولِ ، فتجتلبُ همزةَ وصلٍ للتوصُّلِ إلى النطقِ بالساكنِ ؛ فتصبح ( اِئوي ) بكسرِ الهمزةِ إتباعًا للعينِ ؛ والساكنُ غيرُ معتَدٍّ بهِ . ولما كانَ الأمرُ المعتلُّ الآخرِ يبنَى على حذفِ آخرِه حذفنا الياءَ ؛ فأصبحت ( اِئْوِ ) على زنةِ ( افعِ ) . فأما في الوصلِ فتنطقُها كما هي . وأما في الوقفِ ، فتبدلُ الهمزةَ حرفًا من جنسِ حركةِ ما قبلَه ؛ فتقولُ ( اِيْوِ ) . هذا أصلُ المسنَدِ إلى الواحدِ . أما رسمُها ( إملاؤها ) فتكتُبُها كما هي إلا إذا سُبِقت بزوائدَ متصلةٍ ؛ فإنها حينئذٍ تصبحُ في حكمِ المتوسِّطةِ ؛ والزوائدُ المتصلةُ هي ( الفاء ) ، و ( الواو ) ؛ فتقول : ( فأْوِ ) ، ومتى أصبحتْ في حكمِ المتوسطة حذفتَ الهمزةَ همزةَ الوصلِ .
هذا في حالِ إسنادِه إلى الواحدِ . أما كيفَ أُسنِد إلى واوِ الجماعةِ فمن المعلومِ أن المضارعَ المسندَ إلى واو الجماعةِ يجزمُ بحذفِ النونِ ، ولما كان الأمر مقتطَعًا منه ، كانَ مبنيًّا على حذفِ النونِ مثلَه . أما المضارعُ فتلحِق به واوَ الجماعةِ ، فتجعله على حذوِ الصحيحِ ؛ فتقول : ( يأوِيُون ) كمثلِ ( يضرِبون ) ، فتستثقلُ الضمةَ على الياءِ ، فتحذفها ؛ فتصبح ( يأوِيْوْن ) ؛ فيجتمع ساكنانِ ، فتحذف الأولَ ، لإمكانِ الاستغناءِ عنه ؛ فيصيرُ إلى ( يأوِوْن ) ؛ فتُضطرّ إلى إبدالِ حركةِ الواو الأولى حركةً تناسبُ الواو ؛ وهي الضمةُ ؛ فتكونُ ( يأوُوْن ) على زنةِ ( يفعُون ) ، لأنك حذفتَ لامَ الكلمةِ ، التي هي الياءُ . فإذا أدخلتَ الجازم حذفت النون ( لم يأوُوا ) ، والأمر يبنى على ما يُجزم به مضارعه ؛ فتقول : ( اِيْوُوا ) . وتفسيرُ صيرورتِها إلى ذلكَ أنّك لما حذفتَ حرفَ المضارعةِ من المضارع ؛ وهو الياءُ ، صادفتَ أولَ حرفٍ ساكنًا ( أْووا ) ، والعربُ لا تبتدئ بساكنٍ ؛ فاجتلبتَ له همزةَ وصلٍ ، وحركتَها بالكسرِ لأنه الأصلُ ؛ ولم تحرّكها بالضم مع أنه حركةُ العينِ ، لأنه ضمٌّ عارضٌ ، أصلُه الكسرُ - كما قدمتُ - ؛ فأصبحت ( اِئْوُوا ) فالتقت همزتانِ في أولِ الكلمةِ ، الأولى منهما ساكنةٌ ؛ فوجبَ أن تقلبَ الثانيةُ إلى حرفٍ من جنسِ حركةِ الهمزةِ الأولى - كما هو معلومٌ في التصريفِ - ؛ فقلبتَها إلى ياءٍ ، لأن الأولى مكسورةٌ ، والكسرةُ من جنسِ الياءِ . فإذا وصلتَ لم تنطقِ الهمزةَ الأولى همزةَ الوصلِ ؛ فلذلك لا تقلبُ الهمزةَ الثانيةَ إلى ياءِ لزوالِ العلةِ ؛ فتقولُ : ( فائوُوا ) لا ( فايْووا ) ؛ وتكتبُها في الإملاءِ هكذا ( فأْوُوا ) . ولكن لِيُعلمْ أنه لا يجوزُ أن تفصلَ بينَ الفاءِ والفعلِ ؛ فتقول : ( اِيْوُوا ) ؛ بل يجب وصلُها بهِ ، لأنك لو فصلتَ بينهما لبقيَ حرفٌ واحدٌ ، وهذا يئولُ إلى التناقضِ ، لأن العربَ لا تبدأ إلا بمتحرّكٍ ، ولا تقفُ إلا على ساكنٍ ؛ فكيفُ تجمعُ في حرفٍ واحدٍ بين نقيضينِ ؟ قالَ عبدُ الفتاح المرصفيّ في ( هداية القاري إلى تجويدِ كلام الباري ) : ( لكنْ لا يجوزُ البدءُ بهمزةِ الوصلِ مجردةً عن واو العطفِ في ( وامضوا ) كما هو ظاهرٌ ؛ فليُعلمْ ذلك ) [ 2 : 482 ، دار الفجر ] .
أبو قصي