إنّ العَالم (الأمْريكي) يُعمي بَصَائرنَا مِنْ رؤيَةِ أنْفسنَا بَأنْ لَا نَرى إلّا إيّاه ، كمَا أيّد ذلكَ أحَدهم بقولهِ : (إنني لا أزال أفضل أن أعيش تحت نير الجيش الأحمر بدلاً من أكل الهمبرغر) .
فِكر [الليبراليّة] يحْملنَا عَلى اعْتمَادِ خيَار وَاحد بَدعوى أنّه اخْتيَارِي ! : فإمّا أنْ تَكون لِيبرَاليّاً أوْ مُتديّناً مُتطرّفاً . فكمْ هوَ سَاذج الإيْمَان بِصَحوةٍ[ ليْبراليّة] تَخترقُ نُظم وَقواعد بِدعْوَى تَحريرهَا مِن العَقل إلى الجُنونِ ! . فِكرة الطّريْقة الأُحَادِيّة -التي سَلكهَا جَمعٌ مِنهُم- هيَ الخَلاص عَلى هَيْمَنةِ الآرَاء وَالأفْكَار ، وإنْ كانَ النّاس يَتبنّون مَذهَباً وَحيْداً إلّا أنّ الخَيَارات تَتعَايش دَاخل أيّ اتّجاه مُهيمِن مثلُ [الليبرالية].
ممّا تَدعُو إليْهِ [الليبرالية] الوَاضِحة تَأثيْرهَا -وإنْ أنكرَ وجودهَا بعضهم- فِي هَذا الزّمَن ، فإنّه لمْ تَعد تُحرّك النّاس الخطَابَات المُنمّقة القَديْمَة التي كَانَت مَحلّ التّأثيْر ، وَمُنطلَق المَعَارك ، بَلْ أصْبَحتْ الآرَاء المُتَعارضَة مطلباً مُهمّاً لنُهوضِ فِكرَة مُعيّنة يثورها المعارضون أيّاً كانَ عِلمهُم وَقدرُهم.
وَالحَصيْلة أنْ يَخرج الإنْسَان المُعَاصِر ، بخَليطٍ مُتنَافر بِاطْمئْنَان المُتشكّك وَالمُؤْمِن ، يُسيّرهَا النّظَام بسرعَةٍ ثمّ يَفْرضهَا ، حتّى أنّه يَرغَب فِي الشّيءِ ثمّ تَخْتَرقه أصْنَاف عَابِرة مِن الافْتَتَان المُضَاد ، كَمَا تَخْتَرقهُم قَنَاعَات هشّة بزعم أنّها تَطوّر أوْ مُسلّمَات ، فهُوَ -الليبرالي- كَالبَهْلوَاني يَجُول بِحذرٍ مُتقلّب ، فلَا يَثقُ بِالمَذاهبِ والآرَاء العَتيْقَة وَالتّجَارب القَديْمَة.
وَيَظلّ المُتأمّلونَ خَارج هَذه الدّائرة فِي روحٍ مُقسّمَة ، دَاخِل عَالم مُتصَدّع ، وَذاكَ هَوَ الشّرط الوَحيْد لهُم ليَفلت مِن التّعصّب البَسيْط المَحْمُود.
وإنّ هَؤلاء أصْبَحوا شُغلنَا الشّاغل جَميْعاً ، فَمتديّن يَحْكم عَليهِ بالكُفرِ ، وَفَاسِق يَميْل إلى أقَولهِ كَميْله لهَواه ، وَتاجر يَصفهُ بِالعَادلِ ، وَمُتَعالِم يَظنّه مُفّكراً ، أمّا العَالِم فيَصرخ بِهِم جَميْعَاً : "لَاتَهْتَمّوا بهِم".
لذلكَ كانَ أخوفَ مَا يخافهُ -الليبرالية- هُم العلمَاء ، فَالعلم يُبيّن مَاهيّة الحريّة الصّحيحَة بِضَابطِ الشّريعة الإسْلاَميّة ، فشريعَة الإسْلام وَسط مَا بَيْن [الارستقراطية] و [الديموقراطية] مَبنيّة قَواعدهَا عَلى مُراعَاةِ المَصَالح العَامّة فيما يُسمّى بـ"الشورى" . يَقولُ الأديْب إسحاق : (قُضي على الشرق أن يهبط بعد الارتفاع ، ويُذَلّ بعد الامتناع ، ويكون هدفاً لسهام المطامع والمطالب ، تعبث به أيدي الأجانب من كل جانب) .
وإنّ أسْوَأ مَافِي [الليبرالية] أنّها تُعيْن الفَجَرة عَلى فُجورهم ، وَتصُوْنهم مِن النّقدِ وَالعِقَاب ، فيَأمَن المُتَمرّد عَلى مَلذّاتهِ الجسْمِيّة وَالفِكرية -أيّاً كَانتْ- مِن خِلال النّظام لَا الشّرْع.
القِمَطرُ . . (ثمّ نَظَرَ) (ثمَ عَبسَ وَبسرَ).